“نعالهم على العدا مستعلية”، هذا ما اقتبسه رسام الكاريكاتير الفلسطيني محمود عباس من الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، ليحاكي صورة رائجة تداولها مئات الآلاف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر رجلا خمسينيا متشحا بالبياض، جالسا على كرسي داخل المسجد الأقصى بالقدس المحتلة واضعا قدمه فوق الأخرى، وناظرا باستخفاف وازدراء إلى جندي مسلح مرّ بجانبه.
ملتقط الصور المتداولة هو المصوّر المقدسي معاذ الخطيب، التقطها خلال اقتحام قوات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى يوم الأحد الماضي 17 أبريل/نيسان، الموافق 16 رمضان، ونشرت للمرة الأولى على موقع وكالة “وفا” الفلسطينية، ثم انتشرت بعدها بكثافة في مواقع التواصل الاجتماعي.
صاحب الصورة، وهو مقدسي يدعى عارف تتنجي “أبو صدام” (57 عاما)، ويسكن بيتا صغيرا من غرفة واحدة قرب باب السلسلة أحد أبواب المسجد الأقصى، إلى جانب بيت في قرية العيساوية بالقدس اتخذه ليسع أبناءه الـ11، وأحفاده الـ36، أصرّ الرجل على لقائنا في المسجد الأقصى، لأنه لا يفارقه إلا قليلا.
كاريكاتير مقتبس من صورة التتنجي للرسام الفلسطيني محمود عباسي بكلمات الشاعر تميم البرغوثي
لغة الجسد
كان جالسا في الموضع نفسه وعلى الهيئة نفسها، مرتديا الأبيض من رأسه إلى أخمص قدميه، باستثناء سواد في عقاله وحذائه، حتى لحيته اشتعلت شيبا أبيض لتكمل لوحة “الهيبة” كما وصفه بعض المغردون، كان مطابقا للصورة الرائجة باستثناء وضعية قدميه، معللا ذلك بقوله “كنت واضعا إحدى قدمي على الأخرى آنذاك لأعبّر عن سخطي واستيائي، وتكبّرا على الجنود الذي تحلّقوا حولي، أما بين المسلمين الآن وأبناء شعبي فأنزل قدمي احتراما تواضعا، (الكُبرة) على المحتل فقط، أما في الأقصى فمستعد أن أحمل مكنسة وأنظف”.
ويكمل “من حقي أن أضع رجلا فوق الأخرى، لأعكس أننا ثابتون وموجودون، لنا اعتبار وجذور، هذا مكاني خلقت وتربيت فيه وسأموت أو أستشهد فيه بإذن الله”.
حكاية الصورة
يعود تتنجي بنا إلى يوم الصورة قائلا “أنا موجود دائما في الأقصى في رمضان وغيره، وفي ذلك اليوم صليت الصبح وجلست أقرأ القرآن وأسبّح ربي في الساحات الخارجية تزامنا مع اقتحامات المستوطنين، وفجأة بدأت القوات تطرد المصلين، اعتدوا على مصلٍّ ففزعت له، ثم تحلّقوا حولي وحاولوا إبعادي عن الكرسي”.
شرح الرجل ثباته على الكرسي حينئذ، حتى ظنناه كرسي منصب أو سلطة، لكن كلماته وأفعاله أظهرت أنه يساوي الدنيا عنده، وأكمل قائلا “على الرغم من إرهابهم وتسليحهم وإحاطتهم بي، لم أخف، أنا لا أخاف إلا من الله، العبد لا يخيفني، الخوف ليس واردا لدي، لأنه قدري مكتوب عند ربي”.
عارف التتنجي يقول إن المسجد الأقصى فيه دواء لكل الأمراض
روتين حياة القدس
في مثل هذه الأيام من شهر رمضان قبل 6 سنوات كان تتنجي من دون مأوى بعد هدم بيته في حي وادي الجوز القريب من المسجد الأقصى في 16 مايو/أيار من عام 2016 بحجة عدم الترخيص، بعد سنين طويلة من المخالفات المالية وجولات متعبة في محاكم الاحتلال لتخليص البيت وإلغاء قرار هدمه، ويضيف أن 3 أبناء له تعرضوا للاعتقال في سجون الاحتلال على فترات مختلفة ويعلق قائلا “هذه حياة روتينية في القدس”.
الأقصى هو الدواء
“الحياة ممتلئة بالهموم، ألم يخلق الإنسان في كبد؟ لكنني أنصح كل عبد مدين أو مهموم أو مريض أن ينزل إلى الأقصى ويفتح قلبه لله، وسيتعجب من الراحة التي سيلقاها”، ينهي تتنجي نصيحته، ويؤكد أنه لا يجد قيمته وراحته إلا في المسجد الأقصى، ويعدّد لنا الأمراض التي أصابته من الضغط والسكري وليس انتهاء بعمليات القسطرة التي أجريت لقلبه، ويضيف “كل هادا بروح (يذهب) لما أكون في الأقصى وصحتي بتصير (تصبح) حديد”.
ولاقت العديد من صور كبار السن في المسجد الأقصى رواجا كبيرا، بسبب تعابيرهم القوية العفوية المحملة بالرسائل، وكانت صورة تتنجي إحداها. ويختم حديثه قائلا “أدعو كل كبار السن للصلاة في الأقصى والمكث داخله على الدوام، فما أجمل أن تختم حياتك بالصالحات في أقدس الأماكن على وجه الأرض”.
المصدر: الجزيرة ـ التأمل