الأمومة.. مساحة من الحب تحولت إلى لوحات

حول الخبر: تتميز لوحات الأمهات منذ القرن الـ 18، وحتى مطلع القرن العشرين، بلمستها الواقعية.
"أم تودع طفلها بمستشفى الطفل اللقيط في باريس" للرسّام هنري نيلسون أونيل (مواقع إلكترونية)
"أم تودع طفلها بمستشفى الطفل اللقيط في باريس" للرسّام هنري نيلسون أونيل (مواقع إلكترونية)

نشر في: الثلاثاء,11 يناير , 2022 1:13م

آخر تحديث: الثلاثاء,11 يناير , 2022 9:16ص

يُقال إن أنعم وسادة في العالم هي حضن الأم. وإن الأمومة واحدة من أكثر الوظائف قداسة وطهرا. وحتى عقود قليلة مضت كانت الأسرة التي تتولى إدارتها الأم أشبه بمؤسسة تعليمية ممتدة، إلى جانب تلك الموجودة في المدرسة.

كانت الأم معنية بتنمية أطفالها على المستوى الأخلاقي والروحي وتهيئة بيئة سليمة وراقية لهم. وكانت الأمهات يظهرن عادة في الأعمال الفنية، منذ القرون الوسطى وحتى وقت متأخر، ربات منزل يقمن على تقديم قدوة حسنة ستشكل بشكل كبير عقول وقلوب الأطفال.

اللوحات التي تناولت الأمومة لا حصر لها. ويمكن تتبع أساليب مدارس فنية مختلفة مثل الانطباعية والتكعيبية، وغير ذلك من اللوحات كان واضحًا منذ مطلع القرن العشرين.

غير أن تلك التعددية الفنية وكثرة المذاهب لم تغير من جوهر الموضوع المنوط رسمه وهو الأم. حيث ظلت الألوان المستخدمة، بغض النظر عن المدرسة الفنية التي تنتمي إليها، تتحول من مجرد ألوان إلى مساحة من الحب.

“الأمُّ تلثُمُ طفلَها، وتضمّه

حرَمٌ، سماويُّ الجمالِ، مقدَّسُ

تتألّه الأفكارُ، وهْي جوارَه

وتعودُ طاهرة هناكَ الأنفُسُ”
أبو القاسم الشابي

الأم بشكل واقعي

تتميز لوحات الأمهات منذ القرن الـ 18 وحتى مطلع القرن العشرين بلمستها الواقعية. نرى مثلا في لوحة “أم مع طفلها” للرسّام الفرنسي ليون جان بازيل بيرولت (1832- 1908) امرأة تُقبّل طفلتها وإلى جوارها بكرة من الخيط تصنع منها ثيابا جديدة للصغيرة.

المشهد كله واقعي تهيمن عليه الأم في أجواء واقعية مثل المصطبة التي تجلس عليها والنبات الذي ينمو إلى جوارها، وتمتاز الألوان ككل بالحيوية والدفء.

بداية من منديل الشعر الأحمر الذي ترتديه الأم مرورًا بالثوب متناسق الألوان رغم كونه رثًا وقديما، وخاتم الزواج الذي ترتديه الأم كان أمرًا حيويًا في لوحات الأزمنة السابقة للقرن العشرين في أوروبا. فالأطفال الشرعيون فقط هم المقبولون دينيًا واجتماعيًا.

“أم مع طفلها” للرسّام الفرنسي ليون جان (مواقع التواصل)

مازلنا في القرن الـ 19 في العصر الفيكتوري، حيث كان يتم إجبار الأمهات اللواتي أنجبن بطريقة غير شرعية على وهب أطفالهن لمستشفيات متخصصة للأطفال اللقطاء. وتتولى المستشفى تنشئة الطفل ليعمل لصالحها بطريقة أقرب للاستعباد أو السخرة.

تلك القوانين حكمت أوروبا لعقود طويلة، وكانت سببًا في أن ألهمت رسّامين عدة لأن يصوروا عذابات الأمهات اللواتي تم إجبارهن على التخلي عن أطفالهن.

إحدى الصور المشهورة لهذا اليأس لوحة “أم تودع طفلها في مستشفى الطفل اللقيط في باريس” (L’Hôpital des Enfants-Trouvés) للرسّام هنري نيلسون أونيل (1817-1880).

وتعتبر اللوحة نموذجًا لمستشفيات اللقطاء في كافة أنحاء أوروبا. وهي معروضة حاليًا في متحف الأطفال اللقطاء (The Founding Museum) في بريطانيا والذي كان هو نفسه واحدا من تلك المستشفيات.

نرى في اللوحة استعراضًا واضحًا لمآسي الأمهات، كما أن وجه المرأة التي تودع طفلها يعبر عن حجم المعاناة التي تتكبدها والحزن الذي تشعر به.

 

بشكل انطباعي

صعدت المدرسة الانطباعية في الرسم إلى سلم المدارس أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن العشرين معتمدة على تمثيل العناصر ورسم المواضيع حسب هيئتها في الظل والنور، حتى لو لم يكن التمثيل واقعيا أو يميل للرمزية.

تعتبر لوحة فان غوخ الشهيرة “الرجل في البحر L’homme est en mer” واحدة من اللوحات الانطباعية الأكثر تعبيرًا عن الأمومة رغم اسمها الغريب. فهي تصور أما تحمل رضيعها وتسند رأسها على جدار وهي حزينة وبائسة. وقد أعطى فان غوخ من جانبه سبب ذاك الحزن عنوانًا للوحة.

السبب هو..

غياب الأب والذي يعمل في البحر صيادا غالبًا. اللوحة خليط من ضربات الفرشاة الحادة المتقطعة والتي امتازت بها المدرسة الانطباعية مع استخدام للألوان الفاتحة، وهو الأمر الذي ميّز الانطباعية أيضًا.

تنقسم اللوحة أفقيًا إلى لونين:

الأزرق والبني. الأزرق البارد الذي تتلون به الأم كرمز للحزن والافتقاد. والبني الحار الذي تتلون به شعلات اللهب التي تساعدها على التدفئة.

لوحة فان غوخ الشهيرة “الرجل في البحر” (مواقع التواصل)

بشكل تكعيبي

تربعت المدرسة التكعيبية على عرش مدارس الفن التشكيلي منذ مطلع القرن العشرين، مدعومة بالحركات الثورية والفلسفات الحديثة التي حطمت الكثير من القواعد والقيود، بما في ذلك قواعد الرسم والتعبير. وقد استوحى رائد المدرسة التكعيبية بابلو بيكاسو أسلوب المدرسة وفلسفتها من الأقنعة الأفريقية التي تعتمد الزوايا الهندسية المجردة، مثل المربع والمثلث والدائرة، للتعبير عن وجه الإنسان والجسد البشري.

“الأم والطفل” المرسومة عام 1921 (مواقع التواصل)

وقد قدم بيكاسو عشرات اللوحات التي تتناول الأمومة كموضوع. كان لكل واحدة من تلك اللوحات أسلوب خاص وألوان تميّزها رغم تشابه الموضوع.

إحدى تلك اللوحات “الأم والطفل” المرسومة عام 1921، والتي نرى فيها الجسد البشري مرسوما بزوايا حادة وألوان تجريدية على خلفية غير واقعية حيث كان التركيز منصبًا على نقل الشعور والموضوع، لا كيف تداعب الأم طفلها في أرض الواقع.

المصدر: مواقع إلكترونية ـ التأمل

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

اختيار المحرر.. فيديوهات قد تعجبك

قد يُعجبك أيضًا:

تابعنا: