بعد كورونا.. المطاعم لن تكون كما كانت أبدًا!

حول الخبر: المطعم ليس بديلًا يوميًا عن مطبخ البيت، بل هو مكان مميز نذهب إليه من حين لآخر.
عندما عاد الناس -بعد السماح بفتح المطاعم في أزمة كورونا- للإقبال على المطاعم ظهرت (غيتي)
عندما عاد الناس -بعد السماح بفتح المطاعم في أزمة كورونا- للإقبال على المطاعم ظهرت (غيتي)

نشر في: الأربعاء,18 أغسطس , 2021 10:39ص

آخر تحديث: الأربعاء,18 أغسطس , 2021 10:39ص

شهدت المطاعم وأماكن تحضير الوجبات تقلبات بين الانتعاش والكساد خلال العام الماضي. ومن المتوقع أن تفرض أزمة كورونا تغيرات دائمة وضرورية في هذا المجال، تؤثر علينا كزبائن بشكل مباشر، وتحدد المبالغ التي ندفعها وعدد المرات التي نخرج فيها لتناول العشاء.

ويقول الكاتب بيتر هوفمان، في مقاله الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (nytimes) الأميركية:

إن بدايات انتشار وباء كورونا أدت إلى نقص كبير في الطلب على الأطعمة الجاهزة، لأن أغلب الزبائن لم يرغبوا في المخاطرة بالذهاب لتناول العشاء في مكان عام. ثم في مرحلة ثانية عاد الناس للإقبال على المطاعم، فظهرت مشكلة التزويد، بسبب نقص اليد العاملة في كافة أنحاء البلاد.

انتشار وباء كورونا أدى إلى نقص كبير في الطلب على الأطعمة الجاهزة فتضرر قطاع المطاعم بشكل واضح

تغييرات جذرية

ويرى الكاتب، بصفته طاهيا ومالكا سابقا لمطعم، أن الجذور العميقة لهذه المشكلة في الواقع تعود إلى ما قبل ظهور الفيروس. وللتعامل معها، يجب على المطاعم والزبائن على حد سواء إدخال تغييرات جذرية على سلوكياتهم، والاستعداد لدفع فاتورة التغيير.

ويوضح أن المطاعم في إطار المنافسة، تكتفي دائما بأقل هامش ربح ممكن، وتسعى لجذب الزبائن وإقناعهم بالعودة مجددا بأي ثمن. وللضغط على اﻷسعار تقوم بالتزود بأرخص البضائع وتدفع أجورا منخفضة للعمال وتجعلهم يشتغلون في ظروف مرهقة.

ولتحقيق هذا الغرض يتم غالبا استغلال المهاجرين والأقليات العرقية والفئات المهمشة. وكثيرا ما يتم التبليغ عن حالات تحرش جنسي واعتداء بالعنف. كما تنتشر في هذه المطاعم ثقافة تعيب على العمال الاعتناء بصحتهم وتبرر سوء المعاملة ضدهم وتعتبره مجرد تحفيز.

في ظل هذه الظروف، لا عجب أنه خلال السنة والنصف الماضية، شهدت المطاعم استقالات بالجملة لأعداد هائلة من العاملين في المطبخ والعاملين في الواجهة أمام الزبائن. وتبين أن امتناع الناس عن العمل في هذا القطاع ليس مرده رغبتهم في الحصول على منح البطالة التي تقدمها الحكومة خلال أزمة تفشي فيروس كورونا، بل إن السبب هو أنهم اكتشفوا شيئا أكثر أهمية من العمل في هذه البيئة، وهو قضاء الوقت مع عائلاتهم وتطوير أنفسهم والعناية بزوجاتهم وأطفالهم بشكل يحسن حالتهم النفسية.

أثناء الحجر الصحي الشامل فكر موظفو المطاعم بشكل جيد في المخاطر التي سيواجهونها في حال عودتهم للعمل مع تواصل تفشي الفيروس

الموظفون والحجر الصحي

هذا يعني أن الموظفين أثناء الحجر الصحي الشامل فكروا بشكل جيد في سوء المعاملة التي كانوا يتعرضون لها، والمخاطر التي سيواجهونها في حال عودتهم للعمل مع تواصل تفشي الفيروس وظهور سلالات جديدة أكثر خطورة. والمطاعم تواجه الآن صعوبة كبيرة في إقناعهم بالعودة للعمل، خاصة أن هذا القطاع الخدمي يصعب فيه إلزام الزبائن بالتقيد بالاحتياطات الصحية، والمطابخ مصممة أصلا ليكون العاملون فيها متقاربين جدا.

ولحسن حظ هؤلاء الموظفين، فإن السلطات قررت تمديد برامج الدعم المالي التي تقدمها للعاطلين، وهو ما وفر لهم رفاهية الاختيار بين العودة للعمل أو مواصلة البقاء في البيت.

ويرى ستيفن بيكر، المدير التنفيذي في قسم المشاريع الصغرى في مدينة نيويورك، أنه “من الضروري زيادة رواتب العاملين في هذا القطاع، كخطوة أولى يقوم بها مالكو المطاعم لإرضاء الموظفين، إلى جانب تحسين ثقافة مكان العمل، وإدارة المواهب والكفاءات بالشكل الصحيح، لضمان بيئة عمل صحية ومستدامة”.

ويقترح هوفمان إمكانية زيادة مالكي المطاعم عدد الموظفين وتعزيز الدعم المقدم لهم، وهي إصلاحات باتت شائعة في قطاعات اقتصادية أخرى. فضلا عن ذلك، ينبغي عدم اعتبار العطلات المرضية على سبيل المثال، دليل ضعف التزام أو انعدام جدية.

تحسين ثقافة مكان العمل

وينبه هوفمان إلى أن هذه التغييرات المطلوبة من مالكي المطاعم لن تنجح إلا بدعم الزبائن، إذ إن قرارات رفع مرتبات الموظفين وزيادة عددهم وتحسين ثقافة مكان العمل، تعني أن الزبائن يجب أن يدفعوا مبالغ إضافية لتناول العشاء خارج البيت، ويجب عليهم تقبل هذه الزيادات كتعبير عن ارتفاع قيمة الزبون ذاته.

وبناء على خبراته السابقة، عبر الكاتب عن ثقته في أن الناس سيتقبلون هذه التغيرات بصدر رحب، حتى لو كانت تعني التقليل من عدد مرات زيارة المطعم كل شهر. فقد بينت التجارب أن كثيرا من الناس يرحبون على سبيل المثال بمبادرات “من المزرعة إلى الطاولة”، التي تشجع على تقديم أطعمة طبيعية وذات جودة عالية مقابل ثمن أعلى يدفعه الزبون، في كنف الشفافية والتفهم، وهو أمر يخدم النظام البيئي على كوكب الأرض قبل أي شيء آخر.

بناء ثقافة ترفض تحقيق الأرباح عبر الاستغلال، يرتبط بمدى قدرة مالكي المطاعم على تحسين بيئة العمل وسلاسل التزود بالبضائع واستعداد الزبائن لدفع فاتورة أعلى

التقليل من زيارات المطاعم

ويؤكد هوفمان على أن التأقلم مع الأسعار الجديدة قد يجده البعض صعبا في البداية، ولكن التقليل من زيارات المطاعم ليس بالضرورة أمرا سيئا، بل إنه من الأفضل التعامل مع المطاعم على أنها مكان مميز نزوره في بعض المناسبات والأوقات الخاصة، عوض التردد عليه بشكل يومي وتناول الوجبات بطريقة مضرة بالصحة. وفتح أبواب المطاعم 5 أيام في الأسبوع عوضا عن 7 سيجعل حياة الموظفين أكثر راحة.

ويبين هوفمان أن بناء هذه الثقافة التي ترفض تحقيق الأرباح عبر الاستغلال، يرتبط بمدى قدرة مالكي المطاعم على تحسين بيئة العمل وسلاسل التزود بالبضائع، واستعداد الزبائن لدفع فاتورة أعلى، باعتبار أن المطعم ليس بديلا يوميا عن مطبخ البيت، بل هو مكان مميز نذهب إليه من حين لآخر.

المصدر: نيويورك تايمز ـ التأمل

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

اختيار المحرر.. فيديوهات قد تعجبك

قد يُعجبك أيضًا:

تابعنا: