“60” شخصًا فقط لا ينسون أبدًا.. ماذا تعرف عن متلازمة “فرط الاستذكار”!

حول الخبر: فرط الاستذكار حالة يفقد فيها الشخص قدرته على نسيان تفاصيل حياته وتجاربه الشخصية مهما مرت السنوات.
متلازمة فرط الاستذكار تشبه الجروح المفتوحة للذكريات
متلازمة فرط الاستذكار تشبه الجروح المفتوحة للذكريات

نشر في: السبت,8 مايو , 2021 9:43ص

آخر تحديث: السبت,8 مايو , 2021 9:43ص

وكالات ـ التأمل

“أستطيع تخيّل اليوم كما لو أنني عدت إلى هناك وأعيش اللحظة من جديد”، “هناك أوقات أشعر فيها بأنني أمشي وسط البشر وجميعهم مصابون بفقدان الذاكرة”، “ذاكرتي أشبه بمكتبة من أشرطة الفيديو، لكنها لمشاهد في كل يوم من حياتي من الاستيقاظ إلى النوم”؛ هكذا يتحدث أولئك الذين يكافحون لنسيان بعض التفاصيل اليومية ومحوها من ذاكرتهم، وذلك كونهم أشخاصا لا ينسون شيئا قط، فهم يعانون من “فرط الاستذكار”.

وكما يكافح بعض الأشخاص لتذكر بعض التفاصيل المهمة في حياتهم، خاصة الذين يعانون من ضعف الذاكرة، أو ألزهايمر بإحدى درجاته، فإن هناك أشخاصا -معدودين- يكافحون ذاكرتهم التي لا تنسى أبدا؛ وتجعلهم يعيشون الحدث بكل تفاصيله؛ ويكررون شعورهم تجاهه في كل مرة يتركون فيها العنان لذاكرتهم.

متلازمة “فرط الاستذكار”

“فرط الاستذكار” أو “الذاكرة الذاتية بالغة القوة”، أو “هايبرثيميسيا” (Hyperthymesia) وتعرف اختصارا بـ(HASM)؛ هي تعريفات مختلفة لحالة واحدة؛ وهي فقدان الشخص قدرته على نسيان تفاصيل حياته وتجاربه الشخصية مهما مرت السنوات.

ويمكن لحفنة من الناس فقط تذكر كل يوم من حياتهم بتفاصيل هائلة، وبالنسبة لمعظمنا فإن الذاكرة تشبه مشاهد وقصاصات متقطعة وغير واضحة أو باهتة أحيانا عن أجزاء من حياتنا وماضينا، كما تتلاشى كثير من اللحظات الأخرى مع مرور الوقت، لكن بالنسبة لأصدقائنا المصابين بفرط الاستذكار فإن ذاكرتهم عبارة شريط يحفظ كل المشاهد بلا استثناء، ويعرضها أمام أعينهم كأنهم يعيشون المشهد من جديد.

لكن ذاكرتك القوية لا تعني أبدًا أنك من مفرطي التذكر هؤلاء؛ فتذكرهم التفاصيل يتضمن التواريخ والمواقيت الدقيقة والمعلومات المعقدة؛ فمثلًا نيما فيسيه (أحد مفرطي الاستذكار) يمكنه أن يخبرك بدرجة الحرارة في تاريخ معين ذهب فيه إلى العمل وما كان يرتديه، ومن صادف في طريقه، وهذا على مدار أكثر من 20 عاما من عمره.

عدم النسيان يعد العيب في متلازمة فرط الاستذكار وهو نفسه ميزتها

كيف اكتشفت متلازمة “فرط الاستذكار”؟

في أوائل القرن 21، أرسلت امرأة تدعى جيل برايس (مواليد 1965) بريدا إلكترونيا إلى عالم الأعصاب وباحث الذاكرة جيم ماكجو، تخبره فيه أنها تستطيع تذكر كل يوم من حياتها منذ أن كانت في 12 من عمرها، أو تحديدا منذ يوم الثلاثاء الخامس من فبراير/شباط 1980، وتسأل الباحث إذا كان بإمكانه المساعدة في فهم حالتها.

كانت الفكرة غير قابلة للتصديق، كيف يمكن لإنسان ألا ينسى؟

لذلك بدأ ماكجو اختبار برايس ليتأكد مما تقوله، وبدأ يسألها عن الأحداث العالمية التي مرت في يوم معين، وكانت تستطيع الإجابة بدقة في كل مرة، كما كانت تحتفظ بمذكرات أتاحت للباحثين التحقق من ذكرياتها عن الحوادث الشخصية أيضا، وكانت محقة أيضا.

لم يكن ماكجو الوحيد الذي يختبر برايس في المرات التالية، إذ انضم له فريق آخر، وطالت مدة دراسة حالتها لسنوات، وقرروا تعقيد الاختبارات، كأن يطلبوا منها مثلا أن تسمي التواريخ التي زارتهم فيها، أو ترتب قائمة مواعيد الباحثين، وتذكرت مواعيدهم التي لم يتذكروها هم أنفسهم، وفق ما أوردته شبكة “بي بي سي” (BBC) البريطانية.

عيب المتلازمة هو نفسه ميزتها، عدم النسيان؛ فبرايس لم تنس يوم وفاة زوجها، ولم تجد أي وسيلة لتهرب من تكرار هذا المشهد، لكنها استطاعت أن تؤنس حزنها بأيام جميلة جمعتهما، وتستطيع تذكرها بالتفصيل أيضا.

أصبحت برايس لاحقا موضوعا للمجلات والأفلام الوثائقية، كما ألفت (عام 2008) كتاب “المرأة التي لا تنسى”، توثق فيه تجربتها مع المتلازمة. ثم اكتُشفت حالات نادرة أخرى لأشخاص مثل برايس، وهم أقل من 60 شخصا يعيشون بيننا، ويحاول الباحثون فهم السبب لتذكرهم الفائق.

ما التفسير العلمي لفرط الاستذكار؟

الحالات التي يدرسها الباحثون قليلة، والافتراضات ليست حاسمة لكنها كثيرة؛ إذ افترضت دراسة أجريت عام 2014 أن السبب بيولوجي، وأن الأشخاص الذين يعانون من فرط الاستذكار لديهم نشاط مفرط في أجزاء معينة من الدماغ، وإن لم تكشف فحوص الدماغ عن اختلافات تشريحية ضخمة تفسر المتلازمة، حتى إن الاختلافات البسيطة في الفصوص الأمامية بالمخ (تشارك في التفكير التحليلي)، والحصين (المسؤول عن تخزين الذكريات) يعتقد أنها قد تكون نتيجة لمهاراتهم التي تطورت.

لكن هناك اعتقادا آخر بأن السبب قد يكون وراثيا، أو نفسيا؛ وذلك لربط العلماء هنا بين التجارب التي بدأ عندها التذكر الفائق وبين قلقهم الشديد والتفكير المستمر في أحداث معينة باستمرار، مما يجعلهم ماهرين في الاحتفاظ بالمشاهد بكل تفاصيلها.

نصيحة “سامح وانس” ترف لا يملكه المصابون بفرط الاستذكار

العلاقة بالذاكرة القوية نعمة أو نقمة؟

الأكيد بالنسبة لمفرطي التذكر أنهم يختلفون عن البشر العاديين في ما يتعلق بذاكرتهم؛ فبالنسبة لمعظمنا عندما نمر بحدث ونحاول استرجاعه بعد أسبوع، أو شهر، أو سنة، ستختلف طريقة التذكر، تبهت بعض التفاصيل وتختلف أخرى، على عكس مفرطي التذكر الذين يروون المشهد كاملا أمام عيونهم بمجرد محاولة استذكاره.

يفرق العلماء بين..

“فرط الاستذكار” والذاكرة الاستدلالية أو التخيلية (القدرة على استدعاء صورة بدقة بعد رؤيتها مرة واحدة فقط لفترة قصيرة)؛ التي قد تتغير فيها المشاهد المتخيلة أو يذهب جزء منها إلى الذاكرة قصيرة المدى ويُنسى، وبين الذكاء والقدرة على الحفظ؛ التي تعد موهبة ولا ترتبط بشكل خاص بالحياة الشخصية أو الأحداث العامة المؤثرة على الحياة الشخصية.

ورغم هذا التفريق..

يعتقد بعض العلماء أن استيعاب هذه الحالات النادرة لمفرطي الاستذكار قد يساعد على إرساء أسس قوية للتذكر، بتدريب أنفسنا على تكرار استرجاع مشاهد بعينها بشكل مفصل ومستمر بعد حدوثها، مما يجعلها ترسخ بدرجة أكبر، لكن ذلك قد لا يكون بالسهولة المتخيلة؛ إذ يقول نيما فيسيه -الذي زار نحو 40 دولة ودخل معارضها الفنية- “تخيل أن تكون قادرا على تذكر كل لوحة، على كل جدار، في كل مساحة معرض، بين ما يقرب من 40 دولة”.

كما أنها ليست ميزة دائما؛ فللأمر وجهان كما شرحت نيكول دونوهيو، فقد ساعدها تذكر ما تعلمته في المدرسة، وتخيل ما قاله المعلم أو كيف يبدو في الكتاب، لتكون مدرسة تاريخ ذات ذاكرة قوية، لكن من الصعب جدا عليها نسيان اللحظات المحرجة والصعبة مهما حاولت، وتقول “إنك تشعر بنفس المشاعر التي عشتها، ولا يُمكنك إيقاف تدفق الذكريات، بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة”.

وعن هذه اللحظات العصيبة قال نيما أيضًا..

“الأمر يشبه الجروح المفتوحة”، أما عن نصيحة “سامح وانس” التي يسمعها كثيرا فهي بالنسبة له “ترف لا يملكه”.

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

اختيار المحرر.. فيديوهات قد تعجبك

قد يُعجبك أيضًا:

تابعنا: