بشكل غير مقصود، توصلت عالمة النفس الكندية إيزابيل غوثير وطلابها إلى اكتشاف يتعلق بالاختلافات الفردية في التعرف على الطعام عن طريق دور فريد للألوان في الاستجابات العاطفية للأطعمة.
فبحسب ما نشره موقع PsyPost، نقلًا عن مجلة The Conversation، كشف الموسم السابع من مسلسل “الشيف الفرنسي” لجوليا تشايلد، وهو الموسم الأول من الحلقات التليفزيونية الذي تم بثه بالألوان، كيف يمكن للألوان أن تغير تجربة الطعام. وفي حين سحرت تشايلد الجمهور في 6 مواسم تم بثها بالأبيض والأسود، فإن مشاهدة الحلقات ساعد في الارتقاء بالتجربة من مجرد ترفيه إلى تجربة شهية.
معطيات مثيرة للاهتمام
تقول غوثير إن الرحلة للاكتشاف المذهل بدأت عندما قامت وطلابها دارسي علم النفس بقياس مدى اختلاف الأشخاص في قدرتهم على التعرف على صور الطعام المعد. وتضيف غوثير إنها، على مدى السنوات العشرين الماضية، تعلمت هي وباحثون آخرون أن الأشخاص يختلفون أكثر مما كان متوقعًا في الأصل في مدى قدرتهم على التمييز وتحديد الأشياء، مثل الطيور أو السيارات أو حتى الوجوه.
وأوضحت غوثير أنه من المثير للاهتمام أنه تبين أن هناك قدراً كبيراً من التباين في قدرة الأشخاص على التعرف على الوجوه، على الرغم من أن كل شخص مبصر تقريباً لديه خبرة في رؤية الوجوه.
التعرف على الطعام
ثم أردفت غوثير قائلة إن الخبرة في التعامل مع الطعام عالمية أيضاً، لذا تم طرح تساؤل حول مدى التباين، الذي يمكن أن يطرأ على قدرة الأشخاص على التعرف على أصناف الطعام. ومن ثم قامت هي وطلابها بطلب بسيط من مشاركين في الدراسة هو مطابقة صور نفس الطبق بين صور مماثلة، أو العثور على الطبق الغريب بين أطباق أخرى.
وكان من الطبيعي أن يختلف الأشخاص كثيراً في هذه المهام، إذ أن بعض هذا التباين يمكن تفسيره بقدرة عامة على التعرف على الأشياء من أي نوع.
فوبيا الأطعمة الجديدة
ولكن جزءاً من الاختلافات في التعرف على الطعام بين الأشخاص لم يتم تفسيره بهذه القدرة العامة. وبدلاً من ذلك، توقعنا أن هذا التباين قد يكون مرتبطاً بموقف الأشخاص تجاه الأطعمة الجديدة.
فالأشخاص الذين يؤيدون بشدة عبارات مثل “أنا لا أثق في الأطعمة الجديدة” أو “أنا دقيق للغاية بشأن الأطعمة التي أتناولها” يعانون مما يسمى برهاب الأطعمة الجديدة. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى سوء جودة النظام الغذائي، مما يؤدي إلى نقص التغذية وارتفاع خطر الإصابة بالأمراض المزمنة.
اكتشفت غوثير أن آكلي الطعام الانتقائيين سجلوا أسوأ الدرجات في اختبارات للتعرف على الطعام: حيث يرتبط رهاب الأطعمة الجديدة سلباً بقدرة التعرف على الطعام.
دور الألوان في انتقاء الطعام
وبينما كان غوثير وفريقها ينشرون نتائج اختباراتهم، كان علماء آخرون يناقشون نتائج جديدة حول كيفية تفاعل الدماغ مع الطعام والألوان. حددت مجموعات بحثية مختلفة مناطق الدماغ في النظام البصري التي تستجيب بشكل تفضيلي لصور الطعام.
على سبيل المثال، فإن النظر إلى وعاء من المكرونة من شأنه أن ينشط هذه المناطق في الدماغ، ولكن ليس النظر إلى كومة من الخيوط. وكان الخلاف العلمي وقتئذ يدور حول ما يعنيه تحديد الانتقائية للطعام في مناطق الدماغ المعروفة بالفعل باستجابتها للألوان.
أجزاء من المخ البشري
ورجحت إحدى المجموعات البحثية أن أجزاء معينة من الدماغ تستجيب للألوان لأنها متخصصة في التعرف على الطعام. ورأت المجموعة الأخرى أن اللون ليس حاسمًا لاستجابة الدماغ للطعام. حتى أنهم أظهروا أنهم يمكن أن يحصلوا على تنشيط دماغي مماثل عندما ينظر الأشخاص إلى صور الطعام بدرجات الرمادي.
لذلك، وبحسب غوثير، تم تكرار الاختبارات الأولية للتعرف على صور الطعام لكن بالأبيض والأسود ودرجات الرمادي. وكشفت النتائج أنه بدون الألوان، ارتكب الأشخاص بشكل غير مفاجئ عددًا أكبر من الأخطاء وخلطوا بين الأطباق المختلفة على أنها نفس النوع من الطعام، لكن نمط التباين بين الأشخاص لم يتغير بخلاف ذلك.
وكان أداء أولئك الذين يتمتعون بقدرة بصرية عامة أعلى أفضل مع الطعام، وهكذا خلص الباحثون مجددًا إلى أن هناك قدرة محددة للتعرف على الطعام تتجاوز هذا التأثير العام.
الألوان مفتاح اللغز
وتشرح غوثير أنه تبين أن هناك محصلة وحيدة لتجربة الصور غير الملونة حيث تم التأكد من أن الخوف من الطعام الجديد لا يرتبط بقدرة الشخص على التعرف على الطعام، وإنما يعتمد الأمر بالكامل على اللون.
وبناءً على هذه النتائج، تم اقتراح مكونين منفصلين لقدرة التعرف على الطعام المحدد، أحدهما مستقل عن اللون ويوضح سبب تطابق النتائج في التجارب مع اللون وبدونه. في حين يتعلق الآخر بالاستجابات العاطفية، والذي يمكن أن يكشف ما إذا كان الخوف من الطعام الجديد لا يرتبط بالتعرف على الطعام إلا عندما يظهر الطعام ملونًا.
عمى الألوان
ويؤثر عمى الألوان على الرجال أكثر من النساء بستة عشر مرة، لذا فهم أقل خوفًا من تجربة الأطعمة الجديدة بالمقارنة مع أولئك الذين لديهم إدراك طبيعي للألوان. ونظرًا لأن الشخص المصاب بعمى الألوان يختبر الطعام في نطاق محدود من الألوان، فربما تكون بعض الإشارات التي يمكن تثير القلق من نضارة الطعام أو السلامة أو أنه طعام جديد محدودة.
وتبين من الاختبارات للمشاركين إن الرجال الذين يعانون من عمى الألوان كانوا أقل كراهية للأطعمة الجديدة من الرجال غير المصابين بعمى الألوان.
وتكررت نفس النتيجة في دراسة أخرى، حيث أفاد الرجال المصابون بعمى الألوان أيضًا بمستويات أقل من الاشمئزاز من الطعام.
الاستجابات العاطفية للطعام
وتشرح غوثير أن اللون يمكن أن يساعد في تحديد ما إذا كان الطعام مطبوخًا أو ما إذا كان المنتج ناضجًا أو فاسدًا، ويميل الأشخاص إلى تفضيل الوجبات التي تحتوي على مجموعة متنوعة من الأطعمة الملونة. تُظهر أبحاث أخرى أن اللون يمكن أن يؤثر على مذاق الطعام. فيما ذهب بعض علماء الأحياء إلى أن تلوين النباتات وقدرة الحيوانات على اكتشافه قد تطورا معًا.
إن دور اللون في الاستجابات العاطفية للطعام يفتح آفاقًا جديدة لمعالجة الحالات المتطرفة من الخوف من الأطعمة الجديدة. مع تعلم الباحثين المزيد عن العلاقة المعقدة بين إدراك اللون والطعام، يمكن أن يتم تطوير تدخلات مستهدفة لتحسين العادات الغذائية، حيث أن فهم قوة الألوان والاستفادة منها قد يعزز تقدير الطعام والاستمتاع به.