أظهرت نتائج دراسة جديدة في دورية “ساينتفك ريبورتس” أن الأمراض البكتيرية ستشكل -مع استمرار درجات الحرارة العالمية في الارتفاع- تهديدا متزايدا لأشجار الزيتون في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وتوقعت الدراسة أن:
يتوسع انتشار نوع من البكتيريا قضى إلى الآن على ملايين أشجار الزيتون في إيطاليا وإسبانيا، بسبب التأثيرات المتصاعدة لتغير المناخ، لتصل نسبة أشجار الزيتون المصابة إلى حوالي الثلثين في بعض المناطق.
قاتل صغير جدًا
قبل حوالي قرن من الزمن كتب المفكر والأديب الفرنسي جورج دوهاميل مقولته الشهيرة “ينتهي البحر الأبيض المتوسط حيث لا تنمو شجرة الزيتون” واصفا بدقة الارتباط التاريخي والثقافي والاقتصادي الوثيق بينهما. لكنه لم يكن يعلم أن كائنا بكتيريا صغيرا قد يجعل نمو أشجار الزيتون غير ممكن بنهاية القرن الحالي في هذه المنطقة التي تعتبر موطن زراعتها منذ أكثر من 6 آلاف عام.
وهذا الكائن الصغير هو بكتيريا قاتلة معروفة باسم “زيليلا فاستيديوسا” تنتقل عبر الحشرات الآكلة للخشب وتتسبب فيما يسمى “مرض بيرس” الذي يصيب 600 نوع من النباتات أبرزها أشجار الزيتون والعنب، ويُحدث انسدادا في قنوات التغذية داخل أنسجتها الحية مما يعيق قدرتها على النمو.
وعندما تصل البكتيريا إلى الجذور، تمنع الشجرة من امتصاص العناصر الغذائية وبالتالي تتسبب في موتها. وغالبًا ما تكون الأعراض التي تظهر على الشجرة المصابة مشابهة لتلك الناتجة عن الإجهاد المائي مثل بروز كدمات على الأوراق وجفاف الأغصان. وليس من السهل التعرف عليها من الإصابة الأولى، لأنها تظهر نفسها حتى بعد عام.
وأظهرت دراسة حالات تفشي المرض في البلدان الأوروبية التي تم تحليلها، أن حشرة “بقة المروج ذات البصاق” -المنتشرة في أوروبا وشمال أفريقيا وشمال القارة الأميركية وبعض المناطق الآسيوية- هي الناقل الرئيسي لهذه البكتيريا.
ومع أن أولى إصابات أشجار الزيتون اكتشفت جنوب إيطاليا عام 2013، فإن هذا الداء معروف منذ وقت طويل في القارة الأميركية موطنه الأصلي.
ففي كاليفورنيا (الولايات المتحدة) مثلا تسبب هذه البكتيريا مرض بيرس المميت في أشجار الكروم، حيث تنتج النباتات المصابة ثمارا قليلة ورديئة الجودة، قبل أن تقضي على النبتة بكاملها في غضون سنوات قليلة، مما يؤدي إلى خسائر سنوية قدرت بملايين الدولارات.
وقد تسبب الانتشار السريع للمرض في القضاء على ما يقرب من 21 مليون شجرة زيتون في مقاطعة بوليا أقصى الجنوب الإيطالي، حيث اكتشف لأول مرة في القارة الأوروبية، مما أثر على منطقة تبلغ مساحتها 54 ألف هكتار.
المناخ كعامل محفز لأمراض النبات
في الدراسة الجديدة المنشورة مؤخرا في دورية “ساينس ريبورت” كشف باحثون إسبان من معهد الفيزياء متعددة التخصصات والأنظمة المعقدة (آيفسك) أن الاحترار العالمي يعمل على زيادة وتيرة انتشار هذا المرض بين غابات الزيتون حول البحر المتوسط.
وبحسب بيان صحفي رسمي للمعهد، أظهرت نتائج الدراسة أن زيادة درجة الحرارة إلى أكثر من 3 درجات مئوية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم خطر الإصابة بهذه البكتيريا بشكل خطير في المناطق التي كانت تعتبر آمنة في السابق.
وتبدو العلاقة بين المناخ وحدوث الأمراض النباتية وطيدة، حيث تلعب درجات الحرارة المواتية دورا حاسما في إثارة تفشي الأوبئة. وقد أكد الباحث مانويل ماتياس، الذي أشرف على إنجاز الدراسة، أن تغير المناخ محرك رئيس في التوزيع العالمي للأمراض البكتيرية النباتية وكثافتها.
وللوصول إلى هذه النتائج، طور الباحثون نموذجا شاملا للتنبؤ بالانتشار المحتمل للمرض في ظل سيناريوهات الاحترار المختلفة، مما أظهر أن الزيادات المستمرة في درجات الحرارة على فترات يمكن أن تؤثر على انتشار هذا النوع من البكتيريا، حيث يُظهر كل سيناريو نمطا من مخاطر المرض المتزايدة.
وتشير النتائج إلى أن:
دولا مثل البرتغال واليونان وفرنسا وإيطاليا ستواجه زيادة كبيرة في مخاطر الإصابة بالعدوى، مع ارتفاع درجات الحرارة المتوقعة. وتوقعت ارتفاع المخاطر إلى 47% و63% في كل من البرتغال واليونان على التوالي، إذا فاق الاحترار العالمي 3 درجات مئوية، في وقت ستظل فيه مستويات المخاطر دون تغيير نسبيًا في إسبانيا رغم ارتفاع درجات الحرارة.
وبحسب الباحثين، فإن:
هذا الاكتشاف المهم يسلط الضوء على نقطة تحول محتملة في إدارة المرض وانتشاره، كما يشكل أهمية بالغة للسياسة الزراعية لدول المتوسط والبلدان الأوروبية، لأنه يساعد في وضع إستراتيجيات أفضل لجهود المراقبة والتخفيف ضد الأمراض البكتيرية.