التلاعب بالذاكرة.. هل سينجح العلم في تخفيف ذكرياتنا القاسية؟

حول الخبر: لن تدرك ما نصبه لك عقلك من شِراك لكنك لن تنسى انقباض قلبك بعد سماعك أسوأ خبر مر عليك
تعبيرية
تعبيرية

نشر في: السبت,5 نوفمبر , 2022 10:00ص

آخر تحديث: السبت,5 نوفمبر , 2022 12:51ص

تعمل ذاكرة الإنسان كبرنامج “فوتوشوب”، لا كمسجّل فيديو للواقع. إذ يقوم الدماغ بتغيير تفاصيل بسيطة في ذكرياتك، في كل مرة تحاول فيها استرجاع ذكرى عاطفية، سلبية أو إيجابية، ليعمل عقلك على إزالة الشوائب غير المهمة -من وجهة نظره- أو تحديث المعلومات، عن طريق ملء الفراغات بين المشاهد، أو حذف مشاهد كاملة، إلى أن تتغير الذكرى، وتفقد تفاصيلها الأصلية.

وعليه، فإنك لن تدرك ما نصبه لك عقلك من شِراك، لكنك لن تنسى انقباض قلبك بعد سماعك أسوأ خبر مر عليك.

عالم مصدوم

حاول باحثون في أقسام علم النفس، في 32 جامعة حول العالم، التنبؤ بمدى احتمال تعرض البشر لأحداث صادمة، تضر بصحتهم العقلية؛ فجمعوا بيانات 68 ألفا و894 شخصا بالغا، من 26 دراسة استقصائية، لتغطية عينة كبيرة من سكان 24 دولة، شاركت في استطلاعات رأي منظمة الصحة العالمية (WHO)، عن الصحة العقلية.

اكتشف الباحثون أن كل شخص في العالم يعاني من صدمة واحدة -على الأقل- في حياته؛ فأبلغ أكثر من 70% من الذين شملهم البحث عن تعرضهم لحادث صادم، وتعرض 30% لـ4 حوادث صادمة أو أكثر.

حدد الباحثون أكثر أنواع الحوادث الصادمة شيوعا، وحصروها في 5 أنواع، وهي: حضور لحظة موت أو إصابة إنسان، والموت غير المتوقع لأحد الأحباء، والتعرّض للسرقة، والتعرض لحادث سيارة مروع، والتعرض لمرض أو إصابة تهدد الحياة.

لم تفرق الصدمة النفسية بين الرجال والنساء، أو بين سكان الدول المتقدمة والنامية، فجميعهم مصاب، لكن الرجال – وفق الدراسة- كانوا أكثر عرضة لصدمات نفسية جراء حوادث سيارات مروعة، واعتداءات جسدية.

أما النساء فأبلغن عن مزيد من الاعتداءات الجنسية، وكانت حوادث الطرق أكثر انتشارا في بلدان منخفضة الدخل، لكن كانت الصدمة الأساسية بين 90% من سكان البلدان المتقدمة هي الوفاة غير المتوقعة لأحد الأحباء.

كان الاكتشاف الأسوأ هو ضرورة عدم الثقة في قدرات الذاكرة، وفشلها في حمايتنا من تكرار أذى تعرضنا له من قبل؛ فأبلغ الأشخاص الذين تعرضوا لحوادث عنف جنسي، أو إساءة معاملة في الصغر، عن تكرار تعرضهم لحوادث إيذاء جسدي أو جنسي لاحقا.

مما فسره دانيال شاكتر، أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، بتلف أجزاء من الذاكرة بعد التعرض لصدمة، وفسرته دراسات منشورة في مجلة “علم نفس الطفل والطب النفسي” بالتبعات النفسية القاسية للصدمات، واستهداف المجرمين أشخاصا مهزومين نفسيا، أو معزولين اجتماعيا، أو يقل تقديرهم لذواتهم.

لماذا نشعر بضيق الصدر عند الحزن أو الخوف؟
ما زالت أدمغتنا تتمتع بقدرة على تخفيف حدة الذكريات القاسية، مما يعد فرصة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة (شترستوك)

تحرير العقل من ذكرياته

حاول باحثو العلوم النفسية والدماغية في جامعة بوسطن التوصل إلى حيل تحررنا من ذكرياتنا السلبية. استغل الباحثون طبيعة الذاكرة المرنة، فإذا كان تذكر تفاصيل مزيفة أمرا خادعا، فما زالت أدمغتنا تتمتع بقدرة على تشكيل الذكريات القاسية، وتخفيف حدتها، مما قد يعد فرصة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة.

نشر الباحثون نتائجهم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد سنوات من دراسة الذاكرة لدى الفئران؛ فاكتشفوا اختلاف أماكن تخزين الذكريات السلبية عن الإيجابية، وتوصلوا إلى كيفية تقليص حجم الذكريات السلبية، عن طريق التحفيز الاصطناعي لذكريات أخرى سعيدة، أو كثرة استرجاع الذكرى السلبية من أجل تشويه تفاصيلها بعد كل مرة.

بنى الباحثون ذكريات سلبية وإيجابية في عقول الفئران، مثل صدمة كهربائية خفيفة أو أكل جبن لذيذ، ثم رسموا خريطة لتلك الذكريات، لتتبعها.

استطاع الباحثون رؤية الذكريات الإيجابية والسلبية الجديدة وتصنيفها، عن طريق تزويدها بمستقبل حساس يتأثر بالضوء، ثم تسليط ضوء ليزر غير ضار، لتظهر كل ذكرى بلون مختلف.

لا يمكن سؤال فأر عن ذكرى سلبية مر بها، لذلك استخدم الباحثون التنشيط الاصطناعي لإعادة كتابة الذكريات السلبية، من خلال استرجاع ذكريات الفئران السلبية، ثم تنشيط الذاكرة الإيجابية خلال مرحلة استرجاعها.

حاول الباحثون أيضا تنشيط ذاكرة محايدة، تضيع فيها الذكريات السلبية، وتصير أحداثا مملة، وتختفي العواطف المرتبطة بها.

دفع المريض إلى تذكر ذكرى سيئة أكثر من مرة، قد يساعد على تخفيف صورها البشعة (شترستوك)

لم يقترح الباحثون استخدام التنشيط الاصطناعي على الإنسان، لنسيان صدمات الماضي، لكن اقترحوا طريقة علاج تخضع لإشراف طبيب نفسي وعصبي، من أجل علاج الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وحذروا من تجربة تلك الطريقة في المنزل.

اقترح الباحثون على الأطباء دفع المريض إلى تذكر ذكرى سيئة، أكثر من مرة، من أجل تخفيف صورها البشعة، ثم تحديد التوقيت الصحيح لتذكر ذكرى إيجابية. لكن لا يزال اختيار الطبيب التوقيت المثالي للتحفيز أمرا حساسا، ويحتاج إلى تدريب مسبق.

لا تزال النتائج قيد التجربة على البشر، لكن النبأ السار هو زيادة عدد المختبرات العلمية المهتمة بعلاج اضطراب ما بعد الصدمة في الإنسان. وقد عرضت تلك المختبرات أفكارا واعدة تتضمن التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، أو التحفيز العميق للدماغ، إلى جانب محاولات بعض أطباء الأعصاب استخدام عقاقير غير مشروعة، مثل جرعات خاضعة للرقابة من “الإكستاسي”، والذي حقق نتائج إيجابية في علاج اضطراب ما بعد الصدمة الحادة، في العام الماضي.

المصدر: مواقع إلكترونية

شارك الآخرين:

إرسال
شارك
غرّد

اختيار المحرر.. فيديوهات قد تعجبك

قد يُعجبك أيضًا:

تابعنا: