كانت الأيام الأخيرة للويس الـ17 (ابن الملك لويس الـ16 وماري أنطوانيت) المسجون في سجن المعبد مثيرة للشفقة، بعد أن ظل لعدة أسابيع يضعف في سجنه ويزداد نحولا إلى درجة مخيفة جعلت حارسه يطلب حضور الطبيب المسؤول عن صحته، ليتم تعيين الدكتور بيليتان يوم 5 يونيو/حزيران 1795 مسؤولا عنه بدل الطبيب السابق.
بهذه العبارات افتتحت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية مقالا مشتركا بين فريدريك لوينو وجويندولين دوس سانتوس أشارا في مقدمته إلى أن الدكتور بيليتان كان رجلا طموحا لا يتردد في أن يحل محل زملائه بمستشفى أوتيل دو ديو، وأنه يشتبه في كونه عمل جاسوسا للجنة الأمن العامة لإعداد قائمة الضحايا الذين سيتم إعدامهم في سجن سان لازار.
بقع أرجوانية وأورام
بعد وفاته عُهد بتشريح جثة وريث عرش فرنسا المتوفى إلى الطبيب بيليتان بمساعدة 3 أطباء آخرين، وقد أظهر الفحص الأول بقعا أرجوانية على جلد الجثة وتعفنا يصل إلى البطن وكيس الصفن وداخل الفخذين، وتم الإبلاغ عن وجود عدة أورام حسب تقرير التشريح الموقع من قبل الأطباء.

و”عند فتح البطن تدفق أكثر من نصف لتر مصل صديدي مصفر ونتن للغاية، كانت الأمعاء شاحبة وملتصقة ببعضها إلا أنها كانت صحية للغاية من الداخل وتحتوي فقط على كمية صغيرة من المادة الصفراوية، كما أن المعدة والكبد والطحال والبنكرياس والكلى والقلب والمثانة بصحة جيدة، وكذلك الدماغ” بحسب المجلة، ومع ذلك وجد الأطباء العديد من الدرنات اللمفاوية التي أدت بهم إلى استنتاج أن وفاة الفتى كان سببها مرض السل.
بعد أن اكتمل تشريح الجثة غادر زملاء بيليتان الغرفة وتركوه لخياطة الجثة بمفرده، وعندها نزع خصلة من الشعر وأعطاها لموظف البلدية دامونت كتذكار، ثم دس القلب في جيبه، وقد كتب بعد ذلك بسنوات “لففته بقطعة قماش ووضعته في جيبي دون أن يراني أحد، وكنت آمل ألا يفكر أحد في تفتيشي وأنا أغادر المكان” وهذا ما حدث، إذ دفن جثمان الفتى في مقبرة سانت مارغريت.
ثورة في باريس
عند العودة إلى المنزل وضع بيليتان القلب في إناء مليء بروح النبيذ والكحول الإيثيلي وأخفاه خلف الكتب في مكتبته، ونسيه هناك 10 سنوات، وعندما وجده كان الكحول قد تبخر تماما والقلب أصبح قطعة صغيرة من الجلد، فرماه في درج مع “هدايا تذكارية” أخرى.
وفي أحد الأيام روى بيليتان قصة هذا القلب لأحد تلاميذه، فسارع هذا الأخير إلى سرقته عام 1810، ولكنه توفي بمرض السل بعد ذلك بوقت قصير، وقبل موته بقليل طلب من زوجته أن تعيد القلب إلى بيليتان الذي قرر إعادته إلى العائلة المالكة، ولكنها رفضت العضو لأنها تشك في أصله رغم ما قدمه الطبيب من أدلة مكتوبة وشهادات.
وفي 23 مايو/أيار 1828 أعطى بيليتان القلب لرئيس أساقفة باريس الذي اعتبره “وديعة مقدسة”، ووعد ببذل قصارى جهده لإعادته إلى آخر عم للفتى لا يزال على قيد الحياة، وهو شارل العاشر، ولكن قبل أن يفي رئيس الأساقفة بوعده اندلعت ثورة يوليو/تموز 1930 وتم نهب الأبرشية، ولكن عاملا يدعى ليسكروت استولى على الجرة البلورية التي وُضِع فيها قلب لويس الـ17 لحمايته من اللصوص، وقرر إعادتها إلى نجل بيليتان، ولكن رجلا هاجمه في الطريق فسقطت الجرة على الأرض وتحطمت ليضيع قلب وريث عرش فرنسا في ليلة مظلمة.
قرنان من التجول
بعد أيام قليلة عندما استعادت باريس هدوءها عاد العامل إلى مكان الحادث مع نجل بيليتان لمحاولة العثور على العضو الملكي، فوجدوه في كومة من الرمل، ليحتفظ به فيليب غابرييل بيليتان حتى وفاته عام 1879 بعد أن طلب في وصيته تسليمه إلى صديقه المهندس المعماري بروسبر ديشان.
وأخيرًا..
انتهى الأمر بالقلب في يد إدوار دومون الذي أعطاه في عام 1895 لممثل دوق مدريد المدعي الشرعي لعرش فرنسا، ليأخذ هذا القلب أخيرا قسطا من الراحة في كنيسة قلعة فروهسدورف بالقرب من فيينا، قبل أن يستأنف رحلة أخرى، قبل أن تحمله الأميرة ماسيمو ابنة الدوق إلى إيطاليا.
وفي عام 1975 قدمت بنات الأميرة القلب لفرنسا ليوارى في مقبرة ملوكها، حيث كان يجب أن يكون أصلا، وذلك بعد أن أكد تحليل الحمض النووي عام 2000 أن القلب ينتمي إلى قريب مقرب جدا من ماري أنطوانيت زوجة الملك لويس الـ16.
المصدر: لوبوان